فصل: الحديث الخَامِس بعد الثَّلَاثِينَ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البدر المنير في تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في الشرح الكبير



.الحديث الثَّالِث بعد الثَّلَاثِينَ:

أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «إِذا نسي أحدكُم صَلَاة أَو نَام عَنْهَا فليصلها إِذا ذكرهَا».
هَذَا الحَدِيث تقدم الْكَلَام عَلَيْهِ فِي الْبَاب فِي الحَدِيث الثَّامِن عشر مِنْهُ، وَفِي بَاب التَّيَمُّم فِي الحَدِيث الْخَامِس عشر مِنْهُ أَيْضا.

.الحديث الرَّابِع بعد الثَّلَاثِينَ:

أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «لَا صَلَاة بعد الصُّبْح حَتَّى تطلع الشَّمْس وَلَا صَلَاة بعد الْعَصْر حَتَّى تغرب الشَّمْس».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح اتفقَا عَلَيْهِ من طرق.
أَحدهَا: من حَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: قَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا صَلَاة بعد الْعَصْر حَتَّى تغرب الشَّمْس، وَلَا صَلَاة بعد صَلَاة الْفجْر حَتَّى تطلع الشَّمْس. وَفِي بعض طرق البُخَارِيّ حَتَّى ترْتَفع الشَّمْس.
ثَانِيهَا: من حَدِيث أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: «أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم نهَى عَن الصَّلَاة بعد الْعَصْر حَتَّى تغرب الشَّمْس، وَعَن الصَّلَاة بعد الصُّبْح حَتَّى تطلع الشَّمْس»، وَفِي بعض طرق البُخَارِيّ: «حَتَّى ترْتَفع»، وَوهم ابْن الْجَوْزِيّ فِي تَحْقِيقه؛ فَادَّعَى أَن هَذَا الحَدِيث من أَفْرَاد مُسلم فاجتنبه.
ثَالِثهَا: من حَدِيث ابْن عَبَّاس قَالَ: شهد عِنْدِي رجال مرضيون وأرضاهم عِنْدِي عمر: «أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم نهَى عَن الصَّلَاة بعد الصُّبْح حَتَّى تشرق الشَّمْس، وَبعد الْعَصْر حَتَّى تغرب».
وَرَوَاهُ أَحْمد، وَأَبُو دَاوُد وَقَالَ: «بعد صَلَاة الْعَصْر»، وتشرق- بِفَتْح أَوله-: تطلع،- وَبِضَمِّهَا: تضيء مُرْتَفعَة، وَالْأول أشهر وَهَذَا أصح.
رَابِعهَا: من حَدِيث ابْن عمر بِمَعْنَاهُ وَسَيَأْتِي بِلَفْظِهِ، وَانْفَرَدَ مُسلم بِإِخْرَاجِهِ من حَدِيث عقبَة بن عَامر بِزِيَادَة: «وَقت الاسْتوَاء» وَمن حَدِيث عَمْرو بن عبسة ايضًا وَمن حَدِيث عَائِشَة بِدُونِ «وَقت الاسْتوَاء»، وَفِي أَفْرَاد البُخَارِيّ: عَن مُعَاوِيَة.

.الحديث الخَامِس بعد الثَّلَاثِينَ:

أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «إِن الشَّمْس تطلع وَمَعَهَا قرن الشَّيْطَان، فَإِذا ارْتَفَعت فَارقهَا، ثمَّ إِذا اسْتَوَت قارنها، فَإِذا زَالَت فَارقهَا، فَإِذا دنت للغروب قارنها، فَإِذا غربت فَارقهَا، وَنَهَى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الصَّلَاة فِي تِلْكَ السَّاعَات».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ مَالك فِي الْمُوَطَّأ وَالشَّافِعِيّ فِي الْأُم عَنهُ، عَن زيد بن أسلم، عَن عَطاء بن يسَار، عَن عبد الله الصنَابحِي عَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم بِاللَّفْظِ الَّذِي سقناه.
وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ فِي سنَنه عَن قُتَيْبَة بن سعيد، عَن مَالك بِهِ سَوَاء، وَرَوَاهُ أَحْمد فِي الْمسند، عَن عبد الرَّزَّاق، عَن معمر، عَن زيد بِهِ إِلَّا أَنه قَالَ: «تطلع بَين قَرْني الشَّيْطَان»، وَالْبَاقِي بِمَعْنَاهُ.
قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي السّنَن والْمعرفَة: كَذَا رَوَاهُ مَالك بن أنس، عَن عبد الله الصنَابحِي، وَرَوَاهُ معمر بن رَاشد، عَن زيد بن أسلم، عَن عَطاء، عَن أبي عبد الله الصنَابحِي. وَمن هَذَا الْوَجْه أخرجه ابْن مَاجَه فِي سنَنه، قَالَ التِّرْمِذِيّ: وَالصَّحِيح رِوَايَة معمر. وَقَالَ ابْن الْقطَّان: وَافق مَالِكًا من الثِّقَات مُحَمَّد بن مطرف، وَزُهَيْر بن مُحَمَّد، وَحَفْص بن ميسرَة. وَقَالَ ابْن عبد الْبر: رَوَاهُ يَحْيَى، عَن مَالك هَكَذَا، وَتَابعه فِي قَوْله: عَن عبد الله الصنَابحِي جُمْهُور الروَاة، مِنْهُم القعْنبِي وَغَيره، وَقَالَ: فِيهِ مطرف، عَن مَالك بِسَنَدِهِ عَن أبي عبد الله الصنَابحِي، وَتَابعه إِسْحَاق بن عِيسَى الطباع وَجَمَاعَة، وَهُوَ الصَّوَاب، واسْمه عبد الرَّحْمَن بن عسيلة من كبار التَّابِعين، وَلَا صُحْبَة لَهُ، قصد النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَتوفي وَهُوَ فِي الطَّرِيق قبل لِقَائِه إِيَّاه بأيام يسيرَة. وَنقل الرَّافِعِيّ فِي شرح الْمسند عَن البُخَارِيّ وَغَيره أَنَّهَا خَمْسَة أَيَّام. وَقَالَ ابْن الْقطَّان: نَص حَفْص بن ميسرَة عَلَى سَمَاعه من النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَترْجم ابْن السكن باسمه فِي الصَّحَابَة، وَقَالَ: يُقَال لَهُ صُحْبَة، مَعْدُود فِي الْمَدَنِيين، قَالَ: وَأَبُو عبد الله الصنَابحِي أَيْضا مَشْهُور لَيست لَهُ صُحْبَة. قَالَ: وَيُقَال أَن عبد الله الصنَابحِي غير مَعْرُوف فِي الصَّحَابَة، وَسَأَلَ عَبَّاس الدوري يَحْيَى بن معِين عَن هَذَا فَقَالَ: عبد الله الصنَابحِي رَوَى عَنهُ المدنيون يشبه أَن يكون لَهُ صُحْبَة. قَالَ ابْن الْقطَّان: والمتحصل من هَذَا أَنَّهُمَا رجلَانِ، أَحدهمَا: أَبُو عبد الله عبد الرَّحْمَن بن عسيلة الصنَابحِي لَيست لَهُ صُحْبَة، والأخر: عبد الله الصنَابحِي وَالظَّاهِر مِنْهُ أَن لَهُ صُحْبَة، قَالَ: وَلَا أثبت ذَلِك، وَلَا أَيْضا أجعله أَبَا عبد الله عبد الرَّحْمَن بن عسيلة، فَإِن توهيم أَرْبَعَة من الثِّقَات فِي ذَلِك لَا يَصح، قَالَ: وَكِلَاهُمَا يروي عَن أبي بكر وَعبادَة.
وَاعْلَم أَنه يُغني عَن هَذَا الحَدِيث فِي الدّلَالَة، حَدِيث عَمْرو بن عبسة الثَّابِت فِي صَحِيح مُسلم فَإِنَّهُ صَحِيح مُتَّصِل من غير شكّ وَلَا مرية، وَهُوَ حَدِيث طَوِيل وَفِيه: «قلت: يَا نَبِي الله أَخْبرنِي عَن الصَّلَاة؟ قَالَ: صلي صَلَاة الصُّبْح، ثمَّ أقصر عَن الصَّلَاة حَتَّى تطلع الشَّمْس حَتَّى ترْتَفع؛ فَإِنَّهَا تطلع حِين تطلع بَين قَرْني شَيْطَان؛ فَحِينَئِذٍ يسْجد لَهَا الْكفَّار، ثمَّ صلَّ فَإِن الصَّلَاة مَشْهُودَة محضورة حَتَّى يسْتَقلّ الظل بِالرُّمْحِ، ثمَّ أقصر عَن الصَّلَاة فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ تسجر جَهَنَّم، فَإِذا أقبل الْفَيْء فصلِّ، فَإِن الصَّلَاة حِينَئِذٍ مَشْهُودَة محضورة حَتَّى تصلي الْعَصْر، ثمَّ أقصر عَن الصَّلَاة حَتَّى تغرب الشَّمْس؛ فَإِنَّهَا تغرب بَين قَرْني شَيْطَان، وَحِينَئِذٍ يسْجد لَهَا الْكفَّار».
ويغني عَنهُ أَيْضا حَدِيث أبي هُرَيْرَة قَالَ: «سَأَلَ صَفْوَان بن الْمُعَطل رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ يَا نَبِي الله إِنِّي سَائِلك عَن أَمر أَنْت بِهِ عَالم وَأَنا بِهِ جَاهِل. قَالَ: مَا هُوَ؟ قَالَ: هَل من سَاعَات اللَّيْل وَالنَّهَار سَاعَة يكره فِيهَا الصَّلَاة؟ قَالَ: نعم، إِذا صليت الصُّبْح فدع الصَّلَاة حَتَّى تطلع الشَّمْس لقرن الشَّيْطَان، ثمَّ صلِّ وَالصَّلَاة مَشْهُودَة متقبلة حَتَّى تستوي الشَّمْس عَلَى رَأسك كالرمح، فَإِذا كَانَت عَلَى رَأسك كالرمح فدع الصَّلَاة فَإِنَّهَا السَّاعَة الَّتِي تسجر فِيهَا جَهَنَّم حَتَّى تزِيغ، فَإِذا زاغت؛ فَالصَّلَاة محضورة متقبلة حَتَّى تصلي الْعَصْر، ثمَّ دع الصَّلَاة حَتَّى تغرب الشَّمْس».
رَوَاهُ الْأَئِمَّة أَبُو حَاتِم بن حبَان فِي صَحِيحه، وَابْن مَاجَه فِي سنَنه، وَأحمد فِي مُسْنده، وَالْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه فِي تَرْجَمَة صَفْوَان رَاوِيه وَقَالَ: صَحِيح الْإِسْنَاد، وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي أكبر معاجمه بِلَفْظ: «إِن الشَّمْس إِذا طلعت قارنها الشَّيْطَان، وَإِذا انبسطت فَارقهَا، وَإِذا دنت للزوال قارنها، وَإِذا زَالَت فَارقهَا، وَإِذا دنت للغروب قارنها فَإِذا غَابَتْ فَارقهَا فَنَهَى عَن الصَّلَاة فِي تِلْكَ السَّاعَات».
وَمثل هَذَا الحَدِيث أَيْضا حَدِيث مرّة بن كَعْب بن مرّة الْبَهْزِي قَالَ: «قلت: يَا رَسُول الله أَي اللَّيْل أسمع؟ قَالَ: جَوف اللَّيْل الآخر، ثمَّ الصَّلَاة مَقْبُولَة حَتَّى يطلع الْفجْر، ثمَّ لَا صَلَاة حَتَّى تكون الشَّمْس قيد رمح أَو رُمْحَيْنِ، ثمَّ الصَّلَاة مَقْبُولَة حَتَّى يقوم الظل مقَام الرمْح، ثمَّ لَا صَلَاة حَتَّى تَزُول الشَّمْس، ثمَّ الصَّلَاة مَقْبُولَة حَتَّى تكون الشَّمْس قيد رمح أَو رُمْحَيْنِ ثمَّ لَا صَلَاة حَتَّى تغرب الشَّمْس» رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ من حَدِيث سَالم بن أبي الْجَعْد، عَن رجل من أهل الشَّام، عَن مرّة بِهِ.
قَالَ ابْن عبد الْبر: لمرة هَذَا أَحَادِيث عَن أهل الْكُوفَة مخرجة عَن شُرَحْبِيل بن السمط، وَهِي بِعَينهَا عِنْد أهل الشَّام مخرجة عَن شُرَحْبِيل، عَن أبي أُمَامَة.

.الحديث السَّادِس بعد الثَّلَاثِينَ:

أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «من نَام عَن صَلَاة أَو نَسِيَهَا فليصلها إِذا ذكرهَا، فَإِن ذَلِك وَقتهَا، لَا وَقت لَهَا غَيره».
هَذَا الحَدِيث تقدم الْكَلَام عَلَيْهِ فِي الحَدِيث الْخَامِس عشر من بَاب التَّيَمُّم.

.الحديث السَّابِع بعد الثَّلَاثِينَ:

أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ: «يَا عَلّي لَا تُؤخر أَرْبعا، وَذكر مِنْهَا الْجِنَازَة إِذا حضرت».
هَذَا الحَدِيث لَا أعلم من خرجه عَلَى هَذَا الْوَجْه بعد الْبَحْث التَّام عَنهُ، وَالْمَعْرُوف فِي كتب الحَدِيث: «لَا تُؤخر ثَلَاثًا: الصَّلَاة إِذا أَتَت، والجنازة إِذا حضرت، والأيم إِذا وجدت لَهَا كُفؤًا».
وَقد ذكره كَذَلِك الرَّافِعِيّ فِي كتاب النِّكَاح فِي أحد الْمَوْضِعَيْنِ مِنْهُ.
رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ فِي الصَّلَاة والجنائز من جامعه من حَدِيث عبد الله بن وهب، عَن سعيد بن عبد الله الْجُهَنِيّ، عَن مُحَمَّد بن عمر بن عَلّي، عَن أَبِيه، عَن عَلّي مَرْفُوعا بِهِ، وَسكت عَلَيْهِ فِي الصَّلَاة، وَقَالَ فِي الْجَنَائِز: أَنه غَرِيب، وَمَا أرَى إِسْنَاده بِمُتَّصِل وَبَين الْحَافِظ عبد الْحق ذَلِك، فَقَالَ فِي أَحْكَامه: رَاوِيه عمر بن عَلّي بن أبي طَالب عَن أَبِيه، وَيُقَال: أَن عمر بن عَلّي لم يسمع من أَبِيه لصغره، إِلَّا أَن أَبَا حَاتِم قَالَ: عمر بن عَلّي بن أبي طَالب سمع أَبَاهُ، وَسمع مِنْهُ مُحَمَّد.
قلت: فاتصل إِسْنَاده عَلَى هَذَا لَكِن أُعلَّ بعلة أُخْرَى، وَهِي جَهَالَة سعيد بن عبد الله الْجُهَنِيّ كَمَا نَص عَلَيْهِ أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ، أعله بذلك عبد الْحق فِي أَحْكَامه، لَكِن ذكره ابْن حبَان فِي ثقاته، وَاقْتصر ابْن مَاجَه فِي سنَنه عَلَى ذكر الْجِنَازَة فَقَط وَهَذَا لَفظه: لَا تؤخروا الْجِنَازَة إِذا حضرت.
وَرَوَاهُ عبد الله بن أَحْمد فِي مُسْند أَبِيه، وَالْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه من حَدِيث عبد الله بن وهب أَيْضا لَكِن عَن سعيد بن عبد الرَّحْمَن الجُمَحِي أَن مُحَمَّد بن عمر بن أبي طَالب حَدثهُ عَن أَبِيه، عَن جده عَلّي بن أبي طَالب أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «ثَلَاث يَا عَلّي لَا تؤخرهن: الصَّلَاة إِذا أَتَت، والجنازة إِذا حضرت، والأيم إِذا وجدت كُفؤًا».
وَسَعِيد هَذَا قَاضِي بَغْدَاد، أخرج لَهُ م د س ق، وَوَثَّقَهُ ابْن معِين وَغَيره.
وَقَالَ أَحْمد: لَيْسَ بِهِ بَأْس. وَقَالَ ابْن عدي: لَهُ غرائب حسان، وَأَرْجُو أَنَّهَا مُسْتَقِيمَة، وَإِنَّمَا يهم فيرفع مَوْقُوفا، ويوصل مُرْسلا لَا عَن تعمد. وَقَالَ السَّاجِي: يروي عَن هِشَام وَسُهيْل أَحَادِيث لَا يُتَابع عَلَيْهَا. وَقَالَ أَبُو حَاتِم: لَا يحْتَج بِهِ، وَقَالَ أَيْضا: صَالح. وَلينه الْفَسَوِي. وَأما ابْن حبَان فينصفه بِأَن قَالَ: يروي عَن الثِّقَات أَشْيَاء مَوْضُوعَة يتخايل إِلَى من يسْمعهَا أَنه كالمتعمد لَهَا. ثمَّ سَاق لَهُ أَحَادِيث من جُمْلَتهَا هَذَا الحَدِيث، وَتَبعهُ ابْن طَاهِر فَقَالَ فِي تَذكرته بعد أَن أورد لَهُ هَذَا الحَدِيث: يروي الموضوعات.
وَأما الْحَاكِم فَقَالَ بعد أَن أخرجه فِي مُسْتَدْركه: هَذَا حَدِيث صَحِيح غَرِيب، وَكَأَنَّهُ الصَّوَاب. وَقد أنكر الضياء الْمَقْدِسِي فِي أَحْكَامه عَلَى ابْن حبَان مقَالَته فِي سعيد فَقَالَ: سعيد هَذَا يروي عَنهُ مُسلم. وَوَثَّقَهُ يَحْيَى بن معِين قَالَ: وَلَا يلْتَفت إِلَى كَلَام ابْن حبَان مَعَ تَعْدِيل من هُوَ أعلم مِنْهُ وَأثبت، وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه فِي كتاب النِّكَاح فِي بَاب اعْتِبَار الْكَفَاءَة: وَفِي اعْتِبَار الْكَفَاءَة أَحَادِيث لَا تقوم بأكثرها الْحجَّة، مِنْهَا وَهُوَ أمثلها حَدِيث: «يَا عَلّي ثَلَاثَة لَا تؤخرها»، وَحَدِيث: «تخَيرُوا لنُطَفِكُمْ».

.الحديث الثَّامِن بعد الثَّلَاثِينَ:

أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «إِذا دخل أحدكُم الْمَسْجِد فَلَا يجلس حَتَّى يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح مُتَّفق عَلَى إِخْرَاجه من حَدِيث أبي قَتَادَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه وَفِي لفظ: «فليركع رَكْعَتَيْنِ قبل أَن يجلس».
قَالَ الْعقيلِيّ: وَهَذَا الحَدِيث ثَابت من حَدِيث أبي قَتَادَة، قَالَ: وَرُوِيَ من حَدِيث أبي هُرَيْرَة بِزِيَادَة: «وَإِذا دخل أحدكُم بَيته فَلَا يجلس حَتَّى يرْكَع رَكْعَتَيْنِ فَإِن الله جَاعل بركعتيه فِي بَيته خيرا» قَالَ: وَهَذَا حَدِيث لَا أصل لَهُ.
وَرَوَاهُ ابْن عدي من رِوَايَة أبي هُرَيْرَة أَيْضا بِهَذِهِ الزِّيَادَة، وَأعله بِأَن قَالَ: رَاوِيه عَن الْأَوْزَاعِيّ، عَن يَحْيَى بن أبي كثير، عَن أبي سَلمَة، عَن أبي هُرَيْرَة وَإِبْرَاهِيم بن يزِيد بن قديد هَذَا وَلَا يحضرني لَهُ غير هَذَا الحَدِيث، وَهُوَ بِهَذَا الْإِسْنَاد مُنكر. قَالَ ابْن الْقطَّان: وَرَاوِيه عَن إِبْرَاهِيم، سعد بن عبد الحميد بن جَعْفَر، مَجْهُول الْحَال.
قلت: لَا بل معلومها قَالَ ابْن معِين: لَا بَأْس بِهِ. وَقَالَ يَعْقُوب بن شيبَة: ثِقَة صَدُوق. وَتكلم فِيهِ الثَّوْريّ وَأحمد وَغَيرهمَا. وَقَالَ ابْن حبَان: كَانَ مِمَّن فحش خَطؤُهُ، فَلَا يحْتَج بِهِ.

.الحديث التَّاسِع بعد الثَّلَاثِينَ:

رُوِيَ أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «لَا يتَحَرَّى أحدكُم بِصَلَاتِهِ طُلُوع الشَّمْس وَلَا غُرُوبهَا».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح مُتَّفق عَلَى إِخْرَاجه من حَدِيث ابْن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «لَا يتَحَرَّى أحدكُم فَيصَلي عِنْد طُلُوع الشَّمْس وَلَا عِنْد غُرُوبهَا» وَفِي لفظ: «لَا تحروا بصلاتكم طُلُوع الشَّمْس وَلَا غُرُوبهَا؛ فَإِنَّهَا تطلع بقرني الشَّيْطَان» وَفِي لفظ البُخَارِيّ: «بَين قَرْني شَيْطَان- أَو الشَّيْطَان» وَله: «سَمِعت النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم ينْهَى عَن الصَّلَاة عِنْد طُلُوع الشَّمْس وَعند غُرُوبهَا» وَلمُسلم من حَدِيث عَائِشَة: «لَا تحروا بصلاتكم طُلُوع الشَّمْس وَلَا غُرُوبهَا؛ فتصلوا عِنْد ذَلِك».

.الحديث الأَرْبَعُونَ:

«أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لِبلَال: حَدثنِي بأرجى عمل عملته فِي الْإِسْلَام؛ فَإِنِّي سَمِعت دف نعليك بَين يَدي فِي الْجنَّة؟! فَقَالَ: مَا عملت عملا أَرْجَى عِنْدِي من أَنِّي لم أتطهر طهُورا فِي سَاعَة من ليل أَو نَهَار إِلَّا صليت بذلك الطّهُور مَا كتب لي أَن أُصَلِّي».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح مُتَّفق عَلَى إِخْرَاجه من حَدِيث أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه وَاللَّفْظ للْبُخَارِيّ، وَلَفظ مُسلم: خشف نعليك.
وَأخرجه الْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه من حَدِيث بُرَيْدَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «أصبح رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْمًا فَدَعَا بِلَالًا فَقَالَ: يَا بِلَال بِمَا سبقتني إِلَى الْجنَّة، إِنِّي دخلت البارحة الْجنَّة فَسمِعت خشخشتك أَمَامِي؟! فَقَالَ بِلَال: يَا رَسُول الله، مَا أَذِنت قطّ إِلَّا صليت رَكْعَتَيْنِ، وَمَا أصابني حدث قطّ إِلَّا تَوَضَّأت عِنْده. فَقَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: بِهَذَا!».
قَالَ الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ وَلم يخرجَاهُ.
وَأخرجه أَبُو حَاتِم بن حبَان فِي صَحِيحه مطولا، وَهَذَا لَفظه عَن ابْن بُرَيْدَة، عَن أَبِيه قَالَ: قَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «مَا دخلت الْجنَّة إِلَّا وَسمعت خشخشة، فَقلت: من هَذَا؟! فَقَالُوا: بِلَال. ثمَّ مَرَرْت بقصر مشيد بديع فَقلت: لمن هَذَا الْقصر؟! قَالُوا: لرجل من أمة مُحَمَّد. فَقلت: أَنا مُحَمَّد لمن هَذَا الْقصر؟ قَالُوا: لرجل من الْعَرَب. فَقلت: أَنا عَرَبِيّ لمن هَذَا الْقصر؟ قَالُوا: لعمر بن الْخطاب. فَقَالَ لِبلَال: بِمَ سبقتني إِلَى الْجنَّة؟ فَقَالَ: مَا أحدثت إِلَّا تَوَضَّأت، وَمَا تَوَضَّأت إِلَّا صليت. وَقَالَ لعمر: لَوْلَا غيرتك لدخلت الْقصر. فَقَالَ: يَا رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم لم أكن أغار عَلَيْك» وَفِي رِوَايَة: «مَا أحدثت إِلَّا تَوَضَّأت، وَلَا تَوَضَّأت إِلَّا رَأَيْت أَن لله عَلّي رَكْعَتَيْنِ أصليهما. فَقَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: بهما».
فَائِدَة: دف نعليك- بِالْفَاءِ- صوتهما وحركتهما عَلَى الأَرْض. قَالَ القَاضِي فِي مشارقه: دف نعليك- بِالْفَتْح- أَي: صَوت مشيتك فيهمَا قَالَ: وَفِي رِوَايَة ابْن السكن: «دوِي نعليك» وَهُوَ قريب من مَعْنَاهُ، وَفِي أَحْكَام الْمُحب الطَّبَرِيّ فِي بَاب ذكر الصَّلَاة بعد الْوضُوء قبل الْكَلَام عَلَى تَحِيَّة الْمَسْجِد: الذف- بِالذَّالِ الْمُعْجَمَة، وَيروَى بِالْمُهْمَلَةِ- وَمَعْنَاهُ: حَرَكَة نعليك وسيرهما.

.الحديث الحَادِي بعد الْأَرْبَعين:

«أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم دخل بَيت أم سَلمَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما بعد صَلَاة الْعَصْر وَصَلى رَكْعَتَيْنِ، فَسَأَلته عَنْهُمَا فَقَالَ: أَتَانِي نَاس من عبد الْقَيْس فشغلوني عَن الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ بعد الظّهْر؛ فهما هَاتَانِ».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ البُخَارِيّ فِي صَحِيحه هُنَا تَعْلِيقا بِصِيغَة جزم، وَهَذَا لَفظه: وَقَالَ كريب عَن أم سَلمَة: صَلَّى النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم بعد الْعَصْر رَكْعَتَيْنِ وَقَالَ: شغلني نَاس من عبد الْقَيْس عَن الرَّكْعَتَيْنِ.
وَرَوَاهُ مُسلم فِي صَحِيحه مُسْندًا مُتَّصِلا عَن حَرْمَلَة بن يَحْيَى، ثَنَا عبد الله بن وهب، أَخْبرنِي عَمْرو بن الْحَارِث، عَن بكير، عَن كريب مولَى ابْن عَبَّاس أَن عبد الله بن عَبَّاس وَعبد الرَّحْمَن بن أَزْهَر والمسور بن مخرمَة أَرْسلُوهُ إِلَى عَائِشَة زوج النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالُوا: اقْرَأ عَلَيْهَا السَّلَام منا جَمِيعًا وسلها عَن الرَّكْعَتَيْنِ بعد الْعَصْر وَقل: إِنَّا أخبرنَا أَنَّك تصلينهما وَقد بلغنَا أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم نهَى عَنْهُمَا. قَالَ ابْن عَبَّاس: وَكنت أصرف مَعَ عمر بن الْخطاب النَّاس عَنْهَا. قَالَ كريب: فَدخلت عَلَيْهَا وبلغتها مَا أرسلوني بِهِ، فَقَالَت: سل أم سَلمَة فَخرجت إِلَيْهِم فَأَخْبَرتهمْ بقولِهَا، فردوني إِلَى أم سَلمَة، بِمثل مَا أرسلوني بِهِ إِلَى عَائِشَة. فَقَالَت أم سَلمَة: سَمِعت رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم ينْهَى عَنْهَا، ثمَّ رَأَيْته يُصليهَا، أما حِين صلاهما فَإِنَّهُ صَلَّى الْعَصْر، ثمَّ دخل وَعِنْدِي نسْوَة من بني حرَام من الْأَنْصَار فصلاهما، فَأرْسلت إِلَيْهِ الْجَارِيَة فَقلت: قومِي بجنبه فَقولِي لَهُ: تَقول أم سَلمَة: «يَا رَسُول الله، إِنِّي أسمعك تنْهَى عَن هَاتين الرَّكْعَتَيْنِ وأراك تصليهما، فَإِن أَشَارَ بِيَدِهِ فاستأخري عَنهُ. قَالَت: فَفعلت الْجَارِيَة فَأَشَارَ بِيَدِهِ، فاستأخرت عَنهُ، فَلَمَّا انْصَرف قَالَ: يَا بنت أبي أُميَّة، سَأَلْتِ عَن الرَّكْعَتَيْنِ بعد الْعَصْر؛ إِنَّه أَتَانِي نَاس من عبد الْقَيْس بِالْإِسْلَامِ من قَومهمْ، فشغلوني عَن الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ بعد الظّهْر؛ فهما هَاتَانِ».
وَكَذَا أخرجه البُخَارِيّ مُسْندًا فِي السَّهْو، وَفِي عبد الْقَيْس، عَن يَحْيَى بن سُلَيْمَان، عَن ابْن وهب، عَن عَمْرو بِهِ وَقَالَ: «كنت أضْرب» بِالْبَاء.
وَفِي رِوَايَة غَرِيبَة للطبراني من حَدِيث عبد الْعَزِيز بن مُحَمَّد، عَن مُوسَى بن عُبَيْدَة بن نشيط، عَن ثَابت مولَى أم سَلمَة عَنْهَا: «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام انْصَرف إِلَى بَيتهَا فَصَلى فِيهِ رَكْعَتَيْنِ بعد الْعَصْر، فَأرْسلت عَائِشَة إِلَى أم سَلمَة: مَا هَذِه الصَّلَاة الَّتِي صلاهَا رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي بَيْتك فَقَالَت: إِنَّه عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ يُصَلِّي بعد الظّهْر رَكْعَتَيْنِ، فَقدم عَلَيْهِ وَفد بني المصطلق فِي شَأْن مَا صنع بهم عاملهم الْوَلِيد بن عقبَة، فَلم يزَالُوا يَعْتَذِرُونَ إِلَى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى جَاءَهُ الْمُؤَذّن يَدعُوهُ إِلَى صَلَاة الْعَصْر فَصَلى الْمَكْتُوبَة، ثمَّ صَلَّى عِنْدِي فِي بَيْتِي تِلْكَ الرَّكْعَتَيْنِ مَا صلاهما قبل وَلَا بعد».
ومُوسَى هَذَا ضَعَّفُوهُ، وَقَالَ أَحْمد: لَا تحل الرِّوَايَة عَنهُ.
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ من حَدِيث عَائِشَة «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام مَا تَركهمَا قطّ عِنْدهَا».
وَفِي صَحِيح البُخَارِيّ عَنْهَا: «وَالَّذِي ذهب بِهِ مَا تَركهمَا حَتَّى لَقِي الله، وَمَا لَقِي الله حَتَّى ثقل عَن الصَّلَاة، وَكَانَ يُصَلِّي كثيرا من صلَاته قَاعِدا- يَعْنِي: الرَّكْعَتَيْنِ بعد الْعَصْر-، وَكَانَ عَلَيْهِ السَّلَام يُصَلِّيهمَا ولَا يُصَلِّيهمَا فِي الْمَسْجِد مَخَافَة أَن يثقل عَلَى أمته، وَكَانَ يحب مَا يُخَفف عَلَيْهِم».
فَائِدَة: وَقد أسلفنا أَنه عَلَيْهِ السَّلَام شغله عَن الرَّكْعَتَيْنِ بعد الظّهْر نَاس من عبد الْقَيْس بِالْإِسْلَامِ من قَومهمْ وَأَن الطَّبَرَانِيّ رَوَى أَنه شغله عَنْهُمَا وَفد بني المصطلق فِي شَأْن عاملهم، وَفِي مُسْند أَحْمد أَنه شغله عَنْهُمَا الإ فتاء.
قَالَ أَحْمد فِي مُسْنده: ثَنَا حسن بن مُوسَى، ثَنَا ابْن لَهِيعَة، ثَنَا عبد الله بن هُبَيْرَة قَالَ: سَمِعت قبيصَة بن ذُؤَيْب يَقُول: أَن عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أخْبرت آل الزبير أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم صَلَّى عِنْدهَا رَكْعَتَيْنِ بعد الْعَصْر فَكَانُوا يصلونها، قَالَ قبيصَة: فَقَالَ زيد: يغْفر الله لعَائِشَة، نَحن أعلم برَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم من عَائِشَة، إِنَّمَا كَانَ ذَلِك لِأَن نَاسا من الْأَعْرَاب أَتَوا رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم بهجير، فقعدوا يسألونه ويفتيهم حَتَّى صَلَّى الظّهْر وَلم يصل رَكْعَتَيْنِ، ثمَّ قعد يفتيهم حَتَّى صَلَّى الْعَصْر، فَانْصَرف إِلَى بَيته فَذكر أَنه لم يصل بعد الظّهْر شَيْئا فصلاهما بعد الْعَصْر، يغْفر الله لعَائِشَة نَحن أعلم برَسُول الله مِنْهَا، «نهَى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الصَّلَاة بعد الْعَصْر».
وَفِي الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث أم سَلمَة «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قدم عَلَيْهِ وَفد بني تَمِيم، أَو صَدَقَة شغلوه عَنْهُمَا...» وَفِي مُسْند أَحْمد «قدم عليَّ مَال فشغلني عَنْهُمَا قلت: يَا رَسُول الله أفنقضيهما إِذا فاتتنا؟ قَالَ: لَا» وَأَرَادَ شغله عَنْهُمَا بقسمته. كَمَا أخرجه ابْن مَاجَه.
وَعند التِّرْمِذِيّ من حَدِيث عَطاء بن السَّائِب، عَن سعيد بن جُبَير، عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: «إِنَّمَا صَلَّى عَلَيْهِ السَّلَام الرَّكْعَتَيْنِ بعد الْعَصْر؛ لِأَنَّهُ أَتَاهُ مَال شغله عَن الرَّكْعَتَيْنِ بعد الظّهْر فصلاهما بعد الْعَصْر، ثمَّ لم يعد لَهما» قَالَ التِّرْمِذِيّ: حَدِيث حسن.
وَصَححهُ أَبُو حَاتِم بن حبَان؛ فَإِنَّهُ أخرجه فِي صَحِيحه من هَذَا الْوَجْه بِلَفْظ: «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام أُتِي بِمَال بعد الظّهْر، فَقَسمهُ حَتَّى صَلَّى الْعَصْر، ثمَّ دخل منزل عَائِشَة فَصَلى الرَّكْعَتَيْنِ بعد الْعَصْر، وَقَالَ: شغلني هَذَا المَال عَن الرَّكْعَتَيْنِ بعد الظّهْر؛ فَلم أَصلهمَا حَتَّى كَانَ الْآن».
قلت: فَلَعَلَّ مَجْمُوع هَذِه الْأَشْيَاء كَانَ عِلّة فِي التّرْك وَتَكون الْقِصَّة وَاحِدَة.
وَلَكِن فِي مُسْند أَحْمد من حَدِيث مَيْمُونَة «أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يُجهز بعثًا وَلم يكن عِنْده ظهر، فَجَاءَهُ ظهر من الصَّدَقَة، فَجعل يقسمهُ بَينهم فحبسوه حَتَّى أرهق الْعَصْر، وَكَانَ يُصَلِّي قبل الْعَصْر رَكْعَتَيْنِ أَو مَا شَاءَ الله، وَصَلى الْعَصْر ثمَّ رَجَعَ فَصَلى مَا كَانَ يُصَلِّي قبلهَا، وَكَانَ إِذا صَلَّى صَلَاة أَو فعل شَيْئا أحب أَن يداوم عَلَيْهِ» وَظَاهر هَذَا تعددها.
وَفِي أَفْرَاد مُسلم مثله من حَدِيث أبي سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن «أَنه سَأَلَ عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها عَن السَّجْدَتَيْنِ اللَّتَيْنِ كَانَ رَسُول الله يُصَلِّيهمَا بعد الْعَصْر؟ فَقَالَت: كَانَ يُصَلِّيهمَا قبل الْعَصْر، ثمَّ أَنه شغل عَنْهُمَا أَو نسيهما، فصلاهما بعد الْعَصْر، ثمَّ أثبتهما، وَكَانَ إِذا صَلَّى صَلَاة أثبتها». قَالَ يَحْيَى بن أَيُّوب: قَالَ إِسْمَاعِيل بن جَعْفَر أحد رُوَاته: «تَعْنِي داوم عَلَيْهَا».
وَفِي الدَّارَقُطْنِيّ عَنْهَا: «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام دخل عَلَيْهَا بعد الْعَصْر فَصَلى رَكْعَتَيْنِ فَقلت: يَا رَسُول الله، أحدث بِالنَّاسِ شَيْء؟! قَالَ: لَا إِلَّا أَن بِلَالًا عجل بِالْإِقَامَةِ فَلم أصل الرَّكْعَتَيْنِ قبل الْعَصْر، فَأَنا أقضيهما الْآن. قلت: يَا رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أنقضيهما إِذا فاتتنا؟ قَالَ: لَا».
وَلما أخرج التِّرْمِذِيّ حَدِيث ابْن عَبَّاس السَّابِق قَالَ: وَفِي الْبَاب عَن عَائِشَة وَأم سَلمَة ومَيْمُونَة وَأبي مُوسَى قَالَ: وَقد رَوَى غير وَاحِد عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم «أَنه صَلَّى بعد الْعَصْر رَكْعَتَيْنِ» وَهَذَا خلاف مَا رُوِيَ «أَنه نهَى عَن الصَّلَاة بعد الْعَصْر حَتَّى تغرب الشَّمْس» وَحَدِيث ابْن عَبَّاس أصح حَيْثُ قَالَ: لم يعد لَهما، وَقد رُوِيَ عَن زيد بن ثَابت نَحْو حَدِيث ابْن عَبَّاس، وَقد رُوِيَ عَن عَائِشَة فِي هَذَا الْبَاب رِوَايَات رُوِيَ عَنْهَا «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام مَا دخل عَلَيْهَا بعد الْعَصْر إِلَّا صَلَّى رَكْعَتَيْنِ».
وَرَوَى عَنْهَا عَن أم سَلمَة مَرْفُوعا «أَنه نهَى عَن الصَّلَاة بعد الْعَصْر حَتَّى تغرب الشَّمْس، وَبعد الصُّبْح حَتَّى تطلع الشَّمْس».
والذى أجمع عَلَيْهِ أَكثر أهل الْعلم عَلَى كَرَاهِيَة الصَّلَاة حِينَئِذٍ إِلَّا مَا اسْتثْنى من ذَلِك مثل الصَّلَاة بِمَكَّة «بعد الْعَصْر حَتَّى تغرب الشَّمْس، وَبعد الصُّبْح حَتَّى تطلع الشَّمْس» بعد الطّواف، فقد رُوِيَ عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم رخصَة فِي ذَلِك.
فَائِدَة ثَانِيَة: من غرائب الْأَحَادِيث رِوَايَة أَرْبَعَة من الصَّحَابَة بَعضهم عَن بعض صلَاته عَلَيْهِ السَّلَام رَكْعَتَيْنِ بعد الْعَصْر، وَهُوَ رِوَايَة عبد الله بن الزبير «أَنه كَانَ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ بعد الْعَصْر، وَقَالَ: أَخْبرنِي بهما أَبُو هُرَيْرَة عَن عَائِشَة، وَقَالَت عَائِشَة: أَخْبَرتنِي أم سَلمَة أَنه عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ يُصَلِّيهمَا».
قَالَ الْحَافِظ أَبُو مُوسَى الْمَدِينِيّ الْأَصْبَهَانِيّ فِي جُزْء لَهُ فِي رباعي الصَّحَابَة وخماستهم: هَذَا الحَدِيث لَهُ عِلّة طَوِيلَة أعيى الْحفاظ الْوُقُوف عَلَى حَقِيقَتهَا من كَثْرَة اخْتِلَاف رُوَاته لَا أعلم ذكر فِي إِسْنَاده رِوَايَة ابْن الزبير، عَن أبي هُرَيْرَة، عَن عَائِشَة عَن أم سَلمَة، إِلَّا من هَذَا الْوَجْه.

.الحديث الثَّانِي بعد الْأَرْبَعين:

«أَنه عَلَيْهِ السَّلَام رَأَى قيس بن قهد يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ بعد الصُّبْح فَقَالَ: مَا هَاتَانِ الركعتان؟! قَالَ: إِنِّي لم أكن صليت رَكْعَتي الْفجْر، فَسكت النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلم يُنكر عَلَيْهِ».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الْأَئِمَّة الشَّافِعِي، وَأحمد، وَأَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيّ، وَابْن مَاجَه.
أما الشَّافِعِي فَرَوَاهُ فِي الْأُم عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة، عَن أبي قيس، عَن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم التَّيْمِيّ، عَن جده قيس قَالَ: «رَآنِي رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَنا أُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ بعد الصُّبْح فَقَالَ: مَا هَاتَانِ الركعتان يَا قيس؟! فَقلت: إِنِّي لم أكن صليت رَكْعَتي الْفجْر فَسكت عَنهُ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم».
وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من جِهَة الشَّافِعِي، عَن سُفْيَان، عَن سعد بن سعيد، عَن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم، عَن قيس.
وَأما أَبُو دَاوُد فَرَوَاهُ من حَدِيث عبد الله بن نمير، عَن سعد بن سعيد وَقَالَ: حَدثنِي مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم، عَن قيس بن عَمْرو قَالَ: «رَأَى النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم رجلا يُصَلِّي بعد صَلَاة الصُّبْح رَكْعَتَيْنِ فَقَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: صَلَاة الصُّبْح رَكْعَتَانِ. فَقَالَ الرجل: إِنِّي لم أكن صليت الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ قبلهمَا فصليتهما الْآن. فَسكت رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم».
وَكَذَا أخرجه أَحْمد فِي الْمسند إِلَّا أَنه قَالَ: «أصلاة الصُّبْح مرَّتَيْنِ...» الحَدِيث.
قَالَ أَبُو دَاوُد: نَا حَامِد بن يَحْيَى قَالَ: قَالَ سُفْيَان: كَانَ عَطاء بن أبي رَبَاح يحدث بِهَذَا الحَدِيث عَن سعد بن سعيد.
قَالَ أَبُو دَاوُد: ورَوَى عبد ربه وَيَحْيَى ابْنا سعيد هَذَا الحَدِيث مُرْسلا «أَن جدهم صَلَّى مَعَ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم...» بِهَذِهِ الْقِصَّة مُرْسلا.
وَأما التِّرْمِذِيّ فَإِنَّهُ رَوَاهُ من حَدِيث عبد الْعَزِيز بن مُحَمَّد، عَن سعد بن سعيد، عَن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم، عَن جده قيس قَالَ: «خرج رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فأقيمت الصَّلَاة، فَصليت مَعَه الصُّبْح، ثمَّ انْصَرف النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فوجدني أُصَلِّي قَالَ: مهلا يَا قيس، أصلاتان مَعًا؟! قلت: يَا رَسُول الله، إِنِّي لم أكن ركعت رَكْعَتي الْفجْر. قَالَ: فَلَا إِذا». ثمَّ قَالَ: حَدِيث مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم لَا يعرف إِلَّا من حَدِيث سعد بن سعيد.
وَقَالَ سُفْيَان بن عُيَيْنَة: سمع عَطاء بن أبي رَبَاح من سعد بن سعيد هَذَا الحَدِيث، وَإِنَّمَا يرْوَى هَذَا الحَدِيث مُرْسلا.
قَالَ التِّرْمِذِيّ: وَسعد بن سعيد هُوَ أَخُو يَحْيَى بن سعيد الْأنْصَارِيّ، وَقيس هُوَ جد يَحْيَى بن سعيد، وَيُقَال: هُوَ قيس بن عَمْرو، وَيُقَال: قيس بن قهد. قَالَ: وَإسْنَاد هَذَا الحَدِيث لَيْسَ بِمُتَّصِل، مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم التَّيْمِيّ لم يسمع من قيس.
وَرَوَى بَعضهم هَذَا الحَدِيث عَن سعد بن سعيد، عَن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم التَّيْمِيّ: «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام خرج فَرَأَى قيسا...».
وَأما ابْن مَاجَه فَرَوَاهُ من حَدِيث ابْن نمير؛ كَمَا أخرجه أَبُو دَاوُد إِلَّا أَنه قَالَ: «أصلاة الصُّبْح مرَّتَيْنِ» بدل: «صَلَاة الصُّبْح رَكْعَتَانِ».
إِذا تقرر لَك طرق الحَدِيث؛ فقد أعل بِوَجْهَيْنِ: أَحدهمَا: بالانقطاع بَين مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم التَّيْمِيّ وَقيس كَمَا أسلفناه عَن التِّرْمِذِيّ، وَتَبعهُ فِيهِ الْحَافِظ عبد الْحق فِي أَحْكَامه.
ثَانِيهمَا: بالطعن فِي سعد بن سعيد رَاوِيه، قَالَ ابْن الْقطَّان فِي الْوَهم والإِيهام: فَإِن سعد بن سعيد مُخْتَلف فِيهِ. وَقد قَالَ فِيهِ أَحْمد بن حَنْبَل: ضَعِيف. وَقَالَ أَبُو حَاتِم: مؤد. قَالَ: وَقد اخْتلف فِي ضبط هَذِه اللَّفْظَة؛ فَمنهمْ من خففها- أَي: هَالك- وَمِنْهُم من شددها؛ أَي: حسن الْأَدَاء. قَالَ: والْحَدِيث من أَصله مُخْتَلف فِيهِ، لَا يُقَال فِيهِ: صَحِيح؛ بل حسن. هَذَا كَلَامه.
وَضَعفه بِهَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ من الْمُتَأَخِّرين: النَّوَوِيّ أَيْضا؛ فَقَالَ فِي شرح الْمُهَذّب: إِسْنَاد هَذَا الحَدِيث ضَعِيف عِنْد أهل الحَدِيث، وَفِيه انْقِطَاع. وَكَذَا قَالَ ابْن الرّفْعَة فِي كِفَايَته أَنه ضَعِيف مُنْقَطع أَو مُرْسل.
وَأَقُول: أما الطعْن فِيهِ من جِهَة سعد بن سعيد رَاوِيه فَلَيْسَ بجيد؛ فَإِنَّهُ وَإِن تكلم فِيهِ، فقد أخرج لَهُ مُسلم فِي صَحِيحه محتجًّا بِهِ، وَأخرج لَهُ حَدِيث «من صَامَ رَمَضَان، ثمَّ أتبعه بِسِتَّة من شَوَّال كَانَ كصيام الدَّهْر» وَوَثَّقَهُ ابْن معِين، وَذكره ابْن حبَان فِي ثقاته وَوهم ابْن الْجَوْزِيّ فِي تَحْقِيقه حَيْثُ نقل عَن ابْن حبَان توهِينه وَأَنه لَا يحل الِاحْتِجَاج بِهِ فقد ذكر فِي ثقاته وَقَالَ: كَانَ يُخطئ لم يفحش خَطؤُهُ فَلذَلِك سلكناه مَسْلَك الْعُدُول، وَاحْتج بِهِ فِي صَحِيحه. نعم ذكر ابْن حبَان ذَلِك فِي سعد بن سعيد بن أبي سعيد المَقْبُري، وَقد وَقع لَهُ هَذَا الْوَهم فِي الضُّعَفَاء أَيْضا، لكنه ذكر كَلَامه فِيهِ وَفِي المَقْبُري.
وَأما الطعْن فِيهِ من جِهَة الِانْقِطَاع فقد ثَبت اتِّصَاله من طَرِيق صَحِيحَة رَوَاهَا أَبُو حَاتِم بن حبَان فِي صَحِيحه عَن ابْن خُزَيْمَة وَغَيره، نَا الرّبيع بن سُلَيْمَان، نَا أَسد بن مُوسَى، نَا اللَّيْث بن سعد، نَا يَحْيَى بن سعيد، عَن أَبِيه، عَن جده قيس بن قهد «أَنه صَلَّى مَعَ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم الصُّبْح وَلم يكن ركع رَكْعَتي الْفجْر، فَلَمَّا سلم رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم سلم مَعَه، ثمَّ قَامَ يرْكَع رَكْعَتي الْفجْر وَرَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم ينظر إِلَيْهِ فَلم يُنكر ذَلِك عَلَيْهِ».
وَرَوَاهَا الْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه من حَدِيث الْأَصَم عَن الرّبيع بِهِ، وَلَفظه: «أَنه جَاءَ وَالنَّبِيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يُصَلِّي صَلَاة الْفجْر فَصَلى مَعَه، فَلَمَّا سلم قَامَ فَصَلى رَكْعَتي الْفجْر، فَقَالَ لَهُ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَا هَاتَانِ الركعتان؟! فَقَالَ: لم أكن صليتهما قبل الْفجْر. فَسكت وَلم يقل شَيْئا».
قَالَ الْحَاكِم: إِسْنَاده صَحِيح ذكره شَاهدا لحَدِيث عمرَان بن حُصَيْن فِي قصَّة الْوَادي. قَالَ: وَقيس بن قهد الْأنْصَارِيّ صَحَابِيّ وَالطَّرِيق إِلَيْهِ صَحِيح عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ، قَالَ: وَقد رَوَاهُ مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم التَّيْمِيّ، عَن قيس بن قهد ثمَّ رَوَاهُ بِلَفْظ ابْن مَاجَه السالف.
تَنْبِيهَات: الأول: قد ظهر من الرِّوَايَات الَّتِي سقناها الِاخْتِلَاف فِي اسْم وَالِد قيس عَلَى قَوْلَيْنِ؛ وَقد ذكرهمَا التِّرْمِذِيّ كَمَا سلف، أَحدهمَا: قهد، الثَّانِي: عَمْرو، وَعَزاهُ النَّوَوِيّ فِي شرح الْمُهَذّب إِلَى رِوَايَة الْأَكْثَرين وَأَنه الصَّحِيح عِنْد الْحفاظ، وَعَن العسكري: أَن قهدًا لقب، وَأَن اسْمه عَمْرو.
وَقَالَ ابْن الْقطَّان: فصل ابْن السكن بَينهمَا فجعلهما رجلَيْنِ، وَذكر الْمُحب الطَّبَرِيّ فِي أَحْكَامه عَن أبي مُوسَى الْحَافِظ: أَن العسكري رَوَاهُ من حَدِيث قيس بن شماس. وَرَوَاهُ ابْن جريج عَن عَطاء، عَن قيس بن سهل، وَهُوَ الصَّحِيح. قَالَ الْمُحب: كَذَا وَقع قيس بن سهل، وَلَعَلَّه غلط من نَاسخ؛ بل هُوَ قيس بن عَمْرو أَو ابْن قهد.
الثَّانِي: وَقع فِي أَحْكَام الْمُحب الطَّبَرِيّ: أَن التِّرْمِذِيّ حَّسن حَدِيث قيس هَذَا. وَلم أر ذَلِك فِيهِ، وَإِنَّمَا فِيهِ تَضْعِيفه كَمَا ذكره هُوَ بعد عَنهُ، وَذكر أَن لَفظه: «أصلاتان فِي يَوْم»، وَالَّذِي رَأَيْته فِيهِ: «أصلاتان مَعًا» كَمَا قَدمته.
الثَّالِث: قهد وَالِد قيس بِفَتْح الْقَاف، ثمَّ هَاء سَاكِنة ثمَّ دَال- ضبطته لِئَلَّا يصحفه من لَا أنس لَهُ بِهَذَا الْفَنّ بفهد- بِالْفَاءِ- والقهد فِي اللُّغَة: الْأَبْيَض الأكدر.